~{ سورة العلق }~
~*( اقرأ باسم ربك الذي خلق )*~
ابتدئ قراءتك باسم ربك ؛ ليبارك الله في عملك ، ويثيبك على
عملك ، فربك هو الخالق الذي تفرد بالخلق وحده ، فهو المستحق
للعبادة وحده ، وهذا يتضمن توحيد الربوبية والألوهية ، وفيه
إشارة لفضل العلم ، وشرف منزلته ، وفضل طلبه ، والحث على
تعلمه ، وأخذه من أهله القائمين عليه.
وأفضل البدء : بسم الله في كل طاعة ، وأمر شريف .
~*( خلق الإنسان من علق )*~
هذا الخالق العظيم أوجد الإنسان السميع البصير من قطعة حقيرة
من دم غليظ ، هذا هو أصل الإنسان فلا يتكبر ، هذا أوله فلا
يتجبر ، لأنه لم يكن شيئا يذكر ، فسبحان الذي قدر ودبر وصور .
~*( اقرأ وربك الأكرم )*~
حث وتأكيد على قراءة العلم الرشيد مع الاستعانة والتوكل ،
والبدء باسم الله الذي لا يوازيه في الكرم كريم ، فكل جُود جواد
إنما هو من جوده ، وكل بذل باذل فما هو إلا ذرة من جوده ،
فسبحان من جمع المكارم في صفاته ، وجلَّ عن الشبيه والمثيل
والنديد والشريك والكفؤ من مخلوقاته.
~*( الذي علم بالقلم )*~
كل من خط حرفا بالقلم فالله علَّمه ، وكل من رسم باليراع لفظا
فالله ألهمه ، وكل من سطر بكفيه سطرا فالله فهَّمه ، فهو الذي
علم كل كاتب أن يكتب بآله القلم الصامت كلاما يقرأ ويفهم ،
وفيه فضل الخط بالقلم ، والسادات خدم للقلم ، فهو يقضي بخطه
على السيوف ويحرك الجيوش ، ويفصل الركاب ، وتقع به
الولاية والعزل ، والعطاء والمنع ، وبه تدار الدول ، وتحكم
الملوك ، وتؤلف العلماء .
~*( علم الإنسان ما لم يعلم )*~
هذا الإنسان لم يكن يعلم شيئا فعلمه الله كل علم وفن وصناعة ،
ألهمه كيف يفكر ويعمل وينتج ، بصَّره بمصالحه ، كشف له
أسرار حياته ، أوضح له ما خفي عليه ، بين له ما غاب عنه ،
فتح له أبواب المعرفة ، ووفقه لأسباب التعلم ، وقرب له ما بعد ،
وسهَّل له ما صعب ، ويسر له ما عسر .
~*( كلا إن الإنسان ليطغى )*~
إذا تجرد من التقوى طغى وبغى ، وتمرد وعتى ، فهو بلا دين مارد
مهين ، وهو بلا استقامة فاجر خوَّان ، تجمح به نفسه ، ويغلبه
هواه ، يقوده طمعه ، يرديه جشعه ، يسوقه شيطانه ، تتلفه نفسه
الأمَّارة .
~*( أن رآه استغنى )*~
إذا رأى نفسه استغنى بالمال بطر وأشر ، وأصر واستكبر ، فتجده
يختال بما أنعم الله عليه ، فيجحد النعمة ، وينسى الفضل ،
وينسب الخير لنفسه ، ويمنع حق المال ، ويتيه على العباد ،
ويُعرض عن الطاعة ، ويصد عن الهوى ، إلا من رحمه الله
بتقوى .
~*( إن إلى ربك الرجعى )*~
المصير إلى العلي القدير ، النهاية إلى الله ، الغاية والعاقبة عند
من لا يعذب عذابه أحد ، ولا يوثق وثاقه أحد ، هنالك يجازى من
بغى وطغى ، ومن تكبر وتجبر ، هنالك يبعثر ما في القبور ،
ويحصل ما في الصدور ، ويظهر المستور ، ويبين أهل التقوى
وأهل الفجور .
~*( أرأيت الذي ينهى )*~
انظر بعجب واستغراب إلى هذا المارد الكذاب ، الذي يصد عن هدى
الله ، بعدما أعرض عن دين الله .
يا له من سيء حقير ، ومن نذل شرير ، أما كفاه أن يكفر حتى
وقف لعباد الله ينهى ويأمر .
~*( عبدا إذا صلى )*~
هو محمد - صلى الله عليه وسلم - وذُكر بالعبودية ؛ لأنها أشرف
المنازل ، وأجل الصفات ، وأحسن المناقب ، وأجمل المدائح ،
وواجب هذا العبد ، وكل عبد أن يصلي لله الملك الحق ، فمن نهاه
عن هذه الصلاة ، فهو عدو لله لدود ، وهو حسود كنود جحود .
~*( أرأيت إن كان على الهدى )*~
أرأيت إن كان - صلى الله عليه وسلم – على الهدى من ربه ، وهذا
هو الحق ، فإنه ومن اتَّبعه على دين قويم ، وصراط مستقيم ، فلا
هدى إلا ما جاء به ، ولا حق إلا ما كان عليه ولا صواب إلا في
شريعته ، ولا نور إلا في رسالته ، ولا حياة إلا في دينه ، ولا
نجاة إلا بسنَّته ، ولا سعادة إلا في موكبه .
~*( أو أمر بالتقوى )*~
كل أوامره – صلى الله عليه وسلم – تقوى ، كل نصائحه هدى ،
كل وصاياه حكم وفوائد ، لا يأمر إلا بخير ، ولا ينهى إلا عن شر
، ولا يقول إلا صدق ، ولا يحكم إلا بحق ، ولا يرد إلا باطل .
~*( أرأيت إن كذب وتولى )*~
أرأيت هذا الناهي إن كان كاذبا مكذبا بالحق ، قد تولى عن الرشد،
أمثله يأمر بخير ؟؟ أمثله ينهى عن شر ؟؟ هل هو أهل أن ينصح
غيره ؟؟ هل هو في مكان التوجيه والنصح والإرشاد ؟؟ إنه متَّهم
في دينه ، زائغ في رشده ، ضال في سعيه ، مأفون في عقله ،
مظلم في نهجه ، مريض في رأيه .
~*( ألم يعلم بأن الله يرى )*~
يكفي أنه يرى فيحاسب ، ويطلع فيعاقب ، وهذا أعظم تهديد ،
وأشد وعيد ، إذا كان يرى ذو البطش الشديد ، والعذاب الأكيد ،
يرى وكفى ، يرى عمل الصالح فيثيبه ، وكيد الكائد فيخزيه ،
وظلم الظالم فيجازيه ، فحسبك به ناصراً وولياً ، أنه يرى جل في
علاه .
~*( كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية )*~
قسما ؛ لو لم يترك هذا الفاجر الكافر أفعاله السيئة ، وأعماله
القبيحة لنجرَّنَّ بناصيته جرا ، وهذا نهاية الإذلال ، وغاية الإهانة
، لأنه متكبر متجبر مناسب أن يصغر هكذا ، ويذل علانية ، فيجر
كما تجر الدابة بناصيته ، وهو موضع عتوه وجبروته ، وكبره
وغروره .
~*( ناصية كاذبة خاطئة )*~
ناصية لا تحمل إلا الكذب والزور ، والبهتان والفجور ، ناصيته
كلها معاص وذنوب ، وخطايا وعيوب ، ناصيته هي رمز الخسة
والنذالة ، ومحل الوقاحة والعدوان ، ناصيته ما سجدت لله ، ولا
تشرفت بالخضوع له ، ولا حملت دينه ، ولا عرفت كتابه ، ولا
استوعبت هداه .
~*( فليدع ناديه )*~
إذا حل به العذاب ، ووقع به النكال ، فليدع أعوانه وأنصاره ، وإن
كان صادقا أن له ناديا به أنصار ، ومحبوه وهذا تحدٍ لهذا الذليل،
فأي قوة مع قوة الله ؟ وأي حول أو طول مع حوله أو طوله ؟ وأي
جنود مع جنود الله ؟ إن هذا الفاجر أذل وأقل وأحقر من أن ينصر
، فهو مغلوب مخذول مهزوم .
~*( سندع الزبانية )*~
إن دعا أعوانه في ناديه ، دعونا ملائكة غلاظا شداداً ، أهل قوة
وبطش ، وقدرة فتك ، ليرى من أضعف ناصرا وأقل عدداً ، هؤلاء
الزبانية مهيؤون له ولأمثاله ، منحهم الله القوة ، وأعطاهم
المنعة ، ورزقهم القدرة ، لا تطاق مقاومتهم ، ولا تستطاع
مصاولتهم ، لأنهم ملائكة وكفى ، وجند من جنود الله وحسب .
~*( كلا لا تطعه واسجد واقترب )*~
لا توافق هذا المخذول ، لا تلتفت إليه ، لا تسمع كلامه ، لا تنصت
لمقاله ، بل اسجد لنا ، واقترب منا ، واعبدنا .
سجودك لنا عز لك ، خضوعك لنا شرف لك ، ذلك لنا رفعة لك ،
اقترب منا بالطاعة لنقترب منك بالمحبة والرعاية ، والنصرة
والولاية .
أفضل طريق للقرب منا : السجود لنا .
وأجمل وسيلة لمحبتنا : عبادتنا .
اقترب لتكرم ، ذل لتعز ، اخضع لترفع .
//
\\
//
\\
//
يتبع بإذن الله .. مع سورة القدر