سلسلة في العقيدة في مسألة : ( 2/4 )
الله ليس في السماء
وقفة مع سؤال حيّر عوام الناس
ولكن يتفطن إليه من كان للعلم طالبا
وللحق قاصدا ، ونزع من قلبه الغشاوة
وسلك طريق الهداية ، القرآن الكريم
يسأل كثير من عوام الناس :
هل صحيح أن الله ليس فوقالسماء ؟
وإذا قلت لهم : نعم . الله ليس في السماء
حارت عقولهم واندهشت أبصارهم وقالوا :
كيف ذلك وعقولنا لما نتفكر بها ترشدنا إلى أن الله فوق السماء ، مطلع علينا ويراقب أعمالنا من الأعلى إلى الأسفل .
لهذا كان واجبا علينا توضيح الأمر للعوام
ولنبين المسألة بأدلتها الشرعية والعقلية.
فنقول وعلى الله توكلنا :
أما قول : إن الله فوق السماء
لأن العقول تقول وترشد إلى ذلك
ولأن الله يراقب عباده من الأعلى .
سنبدأ حوارنا ببعض الأدلة العقلية
فهي تناسب ما بدأنا به في سؤالهم.
اعلم أن العقل السليم واللب القويم تتجلى فيه نور المعرفة والكشوفات
إذا نزع من قلبه هوى الشيطان
وحظ النفس والكبر ، وأجاب داعي الله.
اعلم أيها الإنسان السالك لطريق الحق
أن الله لم يخلق السماء والأرض فقط
بل خلق المجرات والكواكب والنجوم
ونحن نعلم أن الكون أكبر وأوسع مما نراه
وما الأرض إلا كذرة رمل في صحراء واسعة ممتدة تلفها الرمال ،
نستنتج أن الأرض معلقة في هذا الكون الواسع ، وأن السماء تحيط بالأرض
من كل مكان ، فالأرض شبه كروية
فالذين في أعلى الأرضتكون السماء فوق رؤوسهم ،
والذين في أسفل الأرضتكون السماء فوق رؤوسم ،
والذين في يمين الأرض تكون السماء فوق رؤوسهم ،
والذين في شمال الأرض تكون السماء فوق رؤوسهم.
إذن نستنتج أن جميع من في الأرض تكون السماء فوق رؤسهم ، وعلى قولهم أن الله فوق السماء سيكون الله فوق الجميع ومحيط بالأرض من كل الجهات .
لكن إذا تأملنا قليلا بعقولنا السليمة
وببصيرتنا النيرة هذا الفكر نرى ما يلي :
السماء تكون تحت أرجل الذين فوق الأرض بالنسبة إلى سماء الذين في أسفل الأرض ، والعكس كذلك.
وأيضا السماء تكون يمين أيدي الذين في فوق الأرض بالنسبة إلى سماء الذين في يمين الأرض ،
وكذلك بالنسبة لباقي الجهات ، فكل سماء تكون
فوقا أو تحتا أو يمينا أو شمالا بالنسبة إلى سماء باقي الجهات.
فالحقيقة أن السماء بالنسبة للأرض
تكون في كل جهات الأرض .
فإذا قلنا : إن الله فوق السماء يظهر
أن الله أجوف أي أن السماء داخله ،
والله هو الواحد الأحد الفرد الصمد .
وأيضا يظهر بأن يكون الله محدودا
أي أن الله ينتهي ببداية السماء ،
والمحدود من صفات الجسم ،
والجسم محدَث ومخلوق، والله هو الخالق.
وأيضا يظهر أن ذات الله تنقص ،
لأن السماء تتوسع وتمتد لقول الله تعالى:
{ والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون }
وأيضا يظهر أن الله محتاج للمكان ،
وهذا من الافتقار للمخلوقات ،
والله هو الغني الحميد ،
وأيضا يظهر أن المكان أوسع وأكبر من الله ، لأن الله حلّ بمكان وحواه وأحاط به.
والله هو الكبير المتعال .
وأيضا من المعلوم أن المكان والزمان مخلوقان فكيف يحلّ الخالق بالمخلوق
فلا يقال بأن الله فوق أو تحت أو يمين أو شمال أو خارج العالم أو داخل العالم ، لأن الله هو خالق هذه الأشياء
فكيف يحلّ فيها ؟
ولا يقال إن الله موجود في كل مكان بذاته لأن هذا يقتضي وجوده في دورات المياه وفي المزابل وفي الأماكن القذرة وهذا خطأ كبير ، إلا أن تقصد أنه موجود في كل مكان بعلمه وملكه وتصرفه .
وهنا سؤال يطرح نفسه :
إذن أين الله قبل خلق المكان ؟
هل تنقل وتغير عن ما كان عليه ؟
إذن نحكم على الله بالتغير والتنقل ؟!!
وهذه من صفات المخلوقين .
وهناك أدلة كثيرة سنتركها لعقولكم النيرية
الباحثة عن الحق باليقين والسؤال .
وهنا فائدة نقدمها لكم لعلكم تتفكرون.
الله خلق الأرض وفيها اليابسة والبحار والأنهار والأشجار والجبال والجو وجعلها سكنا ومأوىً لمخلوقاته ،
فالبيوت على الأرض والجبال سكنا للبشر، والبحار والأنهار سكنا للأسماك وغيرها،
والأشجار والجبال سكنا للطيور والحشرات وغيرها،
والجو للطيور وغيرها،
والكواكب والأقمار والنجوم ما بين السماء والأرض،
وأما السماء فقد اختصها الله لأن تكون سكنا للملائكة الكرام المطهرين من المعاصي والقاذورات فرفعهم للأعلى.
فالله غير محتاج للمكان ليسكن فيه.
فالله موجود قبل المكان والزمان
وهو على ما عليه كان ، لم يتغير ولم يتحول .
بهذا بينّا معنى الشبهة العقلية وحلّلناها ،
يتبع .......
وإلى حلقة جديدة ،
