صحفي استرالي يكشف بريق كنوز ظفار

http://www.middle-east-online.com/pi...85592_wadi.gif

وادي أثوم في ظفار

اللبان يعد رمزا للسلطنة مثله في ذلك مثل الخنجر العماني المقوس الشهير.

ميدل ايست اونلاين
مسقط - خاص

أنبهر الكاتب الأسترالي كريس بريتشارد بمدينة صلالة بمحافظة ظفار العمانية خلال إقامته فيها خلال موسم الخريف، عبر مقال نشر في صحيفة "ذي استرالين" الاسترالية.

وكتب كريس في مقاله، السندباد البحار الشهير نشأ هنا، وقد أكد لي كافة العمانيين ممن التقيت بهم على ذلك، لقد ولد هذا البحار في صحار، وهكذا بدأت وتواصلت حكاياته الأسطورية.

وزارالرحالة الايطالي الشهير ماركو بولو صلالة في عام 1285م وذكر ميناء تصدير اللبان الذي يسمى "البليد" ومن ثم اهتم علماء الآثار المعاصرين بهذه المنطقة التي تقع على مشارف مدينة صلالة ثاني أكبر المدن العمانية. أيضا تحدث عنها "ابن بطوطة" شيخ الرحَّالة المسلمين وأوسعهم شهرة في القرن الرابع عشر، والذي عرف بجرأته وشجاعته على مستوى العالم العربي وإفريقيا بقوله "إنني أتذكر دائما أن شبه الجزيرة العربية هي الجسر الذي يربط بين قارتي آسيا وأفريقيا".

من حوائط منطقة البليد الحجرية بنية اللون التي لا تزال أطلالها النادرة شامخة تتحدى الزمن، توجهت إلى متحف أرض اللبان المجاور. يجسد هذا المتحف حضارة السلطنة وتاريخها العريق عبر العصور، وكذلك الدور المحوري لتجارة اللبان. هذا بالإضافة إلى معروضات تمثل المشروعات العملاقة في عمان المعاصرة مثل صناعة البتروكيماويات والمشاريع التنموية، والتي أنشئت بتعليمات من السلطان قابوس بن سعيد.

أيضا ملكة سبأ بلقيس والتي يعتقد الكثير من العمانيين أن أحد قصورها شيد في ميناء آخر للبان يسمى "سمهرم" في منطقة خور روري على مسافة نصف ساعة بالمركبة من مدينة صلالة، إلا أنه وفي بعض الأحيان، تستغرق الرحلة وقتا أطول حيث تبطئ المركبات سيرها انتظارا لعبور الإبل الطريق الإسفلتي.

كملكة ثرية معتزة متفاخرة، فقد أرسلت ملكة سبأ إلى الملك سليمان باني أول معبد في القدس هدايا سخية من اللبان.

بعض الجهات تدعي أن ملكة سبأ التي شملت مملكتها أجزاء من أثيوبيا وإرتريا واليمن لم تصل إلى سمهرم، الحقيقة مهما كانت، فليس هناك من يعترض على أن محافظة ظفار هذه البقعة الجميلة من السلطنة، كانت في الواقع مثارا للعديد من القصص الرائعة التي جمعت في طيّها التاريخ والأسطورة فى نسيج رائع يمزج مابين الماضي والحاضر.

إن السياح الذين يفدون بصورة متزايدة على صلالة يتجولون وسط الآثار ويسترخون تحت أشعة الشمس الذهبية في المنتجعات الشاطئية. جذبتهم ظفار كونها تتمتع بخصوصية لا تتوفر في أي بقعة أخرى في عموم المنطقة العربية، حيث الرياح الموسمية المحملة بمياه الأمطار تساهم على ازدهار أشجار الموز والفواكه الموسمية الأخرى، هناك الكثير من الأنشطة الممتعة الأخرى مثل عبور الأودية الجافة والقيادة على الكثبان الرملية الناعمة باستخدام سيارات الدفع الرباعي، هذا فضلا عن الرحلات البحرية ومشاهدة الدلافين والاستمتاع بمشاهدة السلاحف البحرية على طول الشواطئ العمانية الممتدة.

وكتب بريتشارد: تجارة اللبان تشكل حلقة في سلسلة تاريخ عمان الغابر، وأطلق على هذه الأرض مسميات عديدة منها "أرض اللبان"، اللبان العماني مادة راتنجية سائلة تتحول إلى الحالة الصلبة على لحاء شجرة اللبان ثم تجمع بطريقة خاصة، ولا يزال اللبان يحرق في مباخر خاصة في المنازل وأماكن العمل، فينبعث منها دخان طيب الرائحة يشبه حرق أعواد البخور في الهند وتايلاند.

ومن أهم المعالم التي تلفت النظر هو نصب عملاق لمبخرة اللبان. يستخدم اللبان العماني في صناعة العطور كما يعد أحد المكونات الرئيسية في عطور أمواج، وهو مشروع لتصنيع العطور تم بدعم من السلطان قابوس بن سعيد ويهدف نحو إنتاج أكثر عطور العالم قيمة والذي يباع في الاسواق الحرة وكبرى صالات العرض في جميع أنحاء العالم

الشخصية البريطانية المعروفة تي أي لورانس، والذي تم تجسيد دوره في المنطقة في الفيلم الشهير لورانس العرب أشار إلى موقع قريب من واحة تسمى "شصر" الموجودة في صحراء الربع الخالي جنوب سلطنة عمان، والتي تعتبر منطقة رمال متحركة وتضم المدينة المفقودة الأسطورية "أوبار" وأكدت هذا الاكتشاف البحوث الأثرية اللاحقة من خلال استخدام أجهزة الاستشعار الفضائية.

يعتقد الباحثون أن مكان "إرم ذات العماد" الذي ورد ذكرها في القرآن الكريم يرتبط بـ (أوبار) مركز تجارة اللبان الذي يقع على طرق التجارة في الذهاب والإياب، قبل أن تختفي الأخيرة تحت كثبان الرمل وسهول الحصى. لقد أدت الحفريات إلى اكتشاف حصن وأبراج وحوائط المدينة وغير ذلك من المصنوعات اليدوية القيمة.

أدرجت "شصر" الكائنة على طريق اللبان القديم ضمن قائمة التراث العالمي، ولكن كونها تقع على مسافة 200 كم من صلالة، فإنها أقل زيارة مقارنة بتلك المواقع الأسهل وصولا مثل البليد وخور روري وحديقة اللبان في وادي دوكة، والذي يعتبر محمية طبيعية لأشجار اللبان الموجودة بكميات كبيرة فيه. يجمع الأصدقاء في مسقط (العاصمة العمانية) بأن سمهرم في خور روري تعتبر من أكثر الآثار إثارة للإعجاب. نعم انهم محقون، حيث أنها من الآثار النادرة التي تقع على تخوم مدينة صلالة.

لقد راودتني أحلام اليقظة التاريخية ، هكذا يكتب الصحفي الاسترالي، حيث أنني بمعية السائق علي، فقد تحدثت على مدى ساعة من الزمن ونحن على الطريق الذي كان يرتفع مع بعض الانحناءات الحادة صعودا على جبال ظفار. وعلى الرغم من أنه كان ودودا للغاية، فانه كان أقل كلاما من معظم العمانيين الذين التقيت بهم، حيث أن الحديث عن عمان يعد مفخرة بالنسبة لأبناء عُمان، لحسن الحظ، فإن (عليا) ليس أحد السائقين المتهورين، ولهذا فقد كان لدي أوقات هادئة للتفكير على الطريق المؤدي إلى دوكة. وعند الوصول إلى علامة الطريق التي تشير إلى الحديقة الطبيعية الوﻁﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﻨﻁﻘﺔ ﻨﻤﻭ ﺍﻟﻠﺒﺎﻥ ﻓﻲ وادي دوكة، تحول مسارنا من الطريق المسفلت إلى الطريق الترابي.

يأتي اللبان من المنطقة القاحلة التي تحمل الاسم ذاته، وفي بعض الأحيان تنبت الأشجار وسط الصخور الصلبة حيث تخترق جذورها أضيق الشقوق. غالبا ما تنمو هذه الأشجار قريبا من الرطوبة الجوفية في مجاري الأودية.

قام علي بكشط بعض من الإفرازات الراتنجية من عدد من جذوع الأشجار وقرّبها إلى أنفي لأشم رائحتها الزكية. إنها رائحة رائعة، وهي بلا شك رائحة اللبان العماني. يعد اللبان رمزا للسلطنة مثله في ذلك مثل الخنجر العماني المقوس الشهير. يعتز العمانيون بتاريخهم وتراثهم .

تحركنا من خلال مسارات نحو أطلال سمهرهم، ذلك الأثر التاريخي المتعالي في ربوة قرب خور رُوري والتي تعود إلى القرن الرابع. مناطق سكنية ومحلات تجارية ومناطق لتخزين اللبان. المنطقة التي تمتد بأبعاد 50 في 200 متر، تعتبر من أجمل وأروع المناظر المطلة على البحر والريف.

لقد توقفت عدة مرات لإلقاء نظرة على البحر الهادئ عبر الأفق، وتخيلت السفن التي كانت تمخر عباب البحر محملة بكنوز اللبان في طريقها إلى وجهات بعيدة. توجد بيني وبين البحر، بحيرات زرقاء تشكل ملاذا آمنا للسفن الشراعية.

الاخوار عبارة عن منخفضات أرضية ملأتها مياه البحر وتتصل به من خلال فتحات، وهى من السمات الشائعة للمناظر الطبيعية المحلية. ويذكرني علي قائلا، لقد كان يتم نقل اللبان إلى هذا الميناء في القرن الرابع على ظهور الإبل عبر طرق التجارة الصحراوية.

شحت بنظري عن المشهد البحري بعد ذلك لأشاهد جبال ظفار شامخة تطاول أعنان السماء. في المسافة الواقعة بين هذه الجبال والبحر يوجد سهل صخري يوجد به القليل من النباتات النامية. إن هذه الرحلة تذكرني بطريق السفر من غرب إلى شمال استراليا في سهل فولاربور. ثم وعلى البعد، لمحت قطيعا من الإبل وعددها 18 تشق عباب هذه المنطقة الوعرة متتابعة في خط واحد.

ليست كل مناطق الجذب السياحي في صلالة متصلة باللبان، وهناك الكثير والكثير من المواقع التي تجتذب عددا كبيرا من الزوار. على بعد 27 كم من المدينة وفي منطقة بيت زربيج، يوجد قبر النبي أيوب الذي ورد ذكره في القرآن الكريم وفى كتاب العهد القديم المقدس. على مقربة من الموقع، يوجد ينبوع ماء تتدفق منه المياه منذ قديم الزمان (شرصات) ويقال بأنه تفجر من باطن الأرض استجابة لدعوة النبي أيوب، وذلك دليل آخر على أن السلطنة هي مكان بالفعل يلتقي فيه التاريخ بالأسطورة.