شرفتي ( الجزء الأول ) ..
أهديكِ يا شرفتي .. سلامي و تحيتي .. فأنتِ لستِ مجرد شرفةً أطل منها .. رغم أنكِ جعلتِ القمر يعتاد إطلالتي .. و لستِ مجرد مكانٍ أحتسي فيه قهوتي .. أنتِ .. عين ثالثة .. أرى بها عالم آخر غير عالمي .. و دنياً أخرى غير دنيتي .. شرفتي ؟ .. ما رأيكِ بازدحام شوارع مدينتي ؟ .. بعلو الأبراج و العمارات و المجمعات .. التي تضايق خطوتي ؟ .. ما رأيكِ بأم ممسكة بأربع أطفال تحاول أن تحميهم من سيارات مجنونة ؟ .. و كأنه كلما كان خزان الوقود مملوءاً كلما كانت عقولهم فارغة ! .. شرفتي .. أشكر الله بأنك مطلة على بحيرة صغيرة .. و جميلة .. محاطة بالأسوار و النخيل .. و لكن .. ما هذه المصارف التي تصب في تلك البحيرة .. يا إلهي ! .. إنها مصارف الماء الملوث ( المجاري ) .. ما هذا الذي يطفو على سطح مائها .. قمامة ؟! .. لماذا ؟ .. إن صناديق القمامة في كل مكان .. !! .. عجباً يا شرفتي .. لقد أفسوا منظرها .. و أفسدوا عليّ نظرتي .. و سرقوا مني بهجتي .. شرفتي .. إنظري هناك .. هذا المسجد الذي يبعد خطوات عنا فقط .. انظري انظري .. هنالك مسجد آخر على بعد شارعين .. و .. يا إلهي مساجد في كل مكان .. و حان الآن موعد صلاة العشاء .. ما أجمل الأذان .. يرد الروح إلى الأبدان .. و يقوي الإيمان .. أتمنى لو أذهب لأصلي في المسجد .. و لكن صلاة الفتاة في منزلها خير لها .. سوف أذهب لأصلي الآن ثم أعود إليكِ يا شرفتي .. ( و بعد أن أعود ) .. المؤذن لا زال يقيم الصلاة .. يا له من خاشع .. و هو يعطي دروساً في الدين بعد صلاة العشاء كل يوم .. آه .. ها هو قد سلم و أنهى الصلاة .. يا ترى كم عدد المصلين في كل تلك المساجد ؟! .. إنها قمة في الروعة و الجمال .. و حتى بناؤها فخم .. و مكيفة .. و .. لماذا لم يخرج أي مصل من المسجد حتى الآن .. ؟؟ .. لربما يعتكفون في المساجد .. و لكن .. هل من المعقول أن يعتكف كل المسلمين في هذه المنطقة في المسجد ؟! .. إن نوافذ المسجد المضاءة لا توحي بأي حركة .. يبدو .. أن المسلمين اعتزلوا المساجد .. أو .. لا لا .. المساجد كثيرة .. لربما هم يتجموع في المسجد الكبير هناك .. و لكني لم أرى أحداً يخرج من المسجد الكبير أيضاً أو يدخل إليه .. و لم أرَ أحداً من الجيران يجري للصلاة أو عائداً منها .. !! .. ما رأيكِ يا شرفتي ؟ .. ماذا ؟ .. أنا فضولية ؟ .. لم أقصد ذلك و لكني أحببت أن أشاركك تساؤلاتي لا أكثر ! .. ثم إني لستُ .. لحظة .. انظري هناك .. مجموعة من الشبان الصغار متجمعون عند المسجد .. لربما خرجوا من المسجد دون أن أنتبه لهم .. بارك الله فيهم .. متحابون في الله .. و من المؤكد بأنهم يحفظون القرآن في المسجد .. و يأخذون دروساً في الدين بعد صلاة العشاء .. و .. ما هذا الدخان المتصاعد من بينهم .. يا إلهي .. يدخنون .. و ها هو شاب يفتح باب السيارة التي تقف في إحدى مواقف المسجد .. ماذا يفعل بالداخل .. ( و تصدر ضجة كبيرة من موسيقى "الراب" ) .. ويحهم .. إنهم بجانب مسجد .. ثم .. ثم أني لا أعتقد بأنهم يفهمون معنى الكلمات التي في الأغنية .. و لكنهم يتراقصون .. و لكن المعاني لا تدعو للرقص أبداً فنصفها شتائم باللغة الإنجليزية بل و هي لغة الشوارع في أمريكا .. إذاً لماذا يتمايلون و يهزون أجسادهم .. آه صحيح يا شرفتي .. نسيت مسألة الإيقاعات و جملة خليك "كول" على طول .. أكره النظر إلى مثل هؤلاء .. لا حول و لا قوة إلا بالله .. ما عساي أقول سوى .. لحظة .. شرفتي .. أنصتي هنالك صوت هامس .. يبدو أنه صوت فتاة .. و .. هه .. إنها بنت الجيران في الشرفة المجاورة .. و لكن لماذا تهمس بهذه الطريقة .. هل تخاف إزعاج أحد ما .. و ليس بهذه الطريقة .. همسها مريب .. و .. يجب أن لا أتجسس على الآخرين .. دعينا ننساها .. و ننظر إلى هذا العالم المعقد بعض الشيء .. و نتحدث حتى يصيبني النعاس .. و .. إن صوت همس تلك الفتاة يعلو .. و يعلو .. ليصبح عادياً .. أخاف أن أبقى هنا فيعد هذا تجسساً .. و لكنك شرفتي .. و بالجوار شرفتها .. و .. لا هذه ليست حجة لأبقى .. و .. لما تتحدث تلك الفتاة بصيغة المذكر .. هل تكلم أباها أم أخاها أم .. لا لا .. الظن بالسوء إثم .. و لكن .. يبدو على صوتها الخوف .. و حوارها ليس حوار .. و .. ما هذا .. الفتاة ألقت بهاتف محمول من الشرفة .. و تصرخ .. و صوت رجل يصرخ بشدة .. إنها تبكي .. و تصيح .. يبدو أنه يضربها !! .. بابا سامحني .. لا تضربني .. لن أكررها مرة أخرى .. لن أفعل .. و .. يبدو أن أمها جاءت .. يبدو أنها تحامي عنها .. و لكن الأب يهددها بالعقاب الأمر عندما تصحو !! .. و يأمرها بالذهاب إلى فراشها .. يا له من عالم غير متفهم .. لا يفهم الطبيعة البشرية .. جعلني أشعر هذا الأب بأنه خال من الخطأ .. أتمنى لو أستطيع فتح ملف حياته .. و محاسبته .. و لكن لا يفعل ذلك إلا الله سبحانه و تعالى .. لربما من حقه أن يغضب .. و لكن يجب أن يضع نفسه مكان تلك الفتاة .. فهي أنثى .. مخلوق ضعيف .. تتحكم فيه عواطفه .. الرجل لا يفهم هذه الأمور أحياناً .. آآآآآآه ، يا إلهي .. أشعر بالنعاس .. أراكِ غداً يا شرفتي .. عساني أتعلم من الدنيا أكثر .. تصبحين على خير ..
انتظروني في الجزء الثاني ..
تحياتي للجميع ..
