لا زلتُ مُصرّاً على مناداتك بتلك الكلمةِ التي تسببُ رعشةً خاصة
و تجعلُكِ تتسلقين أعمدةَ النشوةِ بكل جَمال ورشاقة
أكتبُ لكِ الآنَ لعلَّ الكلماتِ التي أخطها منتهكاً حُرمَة الورقِ الأبيض
تأخذك في رحلةٍ رهيبةٍ إلى الماضي الذي كان يجمعنا
إلى تلك الذاكرة التي كانت أنثى مغرورة... تأخذني إلى دَهاليزِها يومياً
حتى أتحسسَ انحناءاتِ جسدِها
فأتذكرُ انحناءاتِ الطرق التي مشيناها معاً في تلكَ الأيام الرائعة
تلك التي أحاولُ الآنَ أن أمارسَ ضدَّها أسوأ عاداتي
فهي كالمومياء المحنطة التي ستكتشفها الأجيال يوماً
وسوف تضعُها في متاحفِ التاريخ
لأن هذا هو مصير الماضي الجميل
الذي لا يحميه حاضرٌ أجملُ منه
ربما يصبح أكثرَ أهميةً في ذلك الزمن القادمِ البعيدْ
فلنتركْها جانباً ولنتحدثْ عن ذلك المِسكين الذي يُدعى الحب
فهو يجلس على أرصفة الطرقات
كما يجلس مشردٌ معدمٌ من مشردي أمريكا
عمرُه تسعُ سنواتٍ لم تعشْ الإنسانيةُ مثلهن
تحتَ أقدامِ الخلافاتِ التي تسحقُه
لكنه لن يضمنَ لنا أن نبقى معاً
فأكبرُ رحمةٍ به هو أن نفترقَ
لأن أجملَ قصصِ الحبِّ هي تلكَ التي تحفرُ أخاديدَ من الأحزانِ في قلوبِ أصحابِها
تلك التي نعيشُها ونعرفُ أنها ستصبحُ يوماً من الأيام ذكرى
لا يُخلِّدُها إلا الهذيانُ والجنونُ.
لأنه سيشهدُ ضدَّنا في كل المحافل
في ساعةٍ ميتةٍ من ليلةٍ هادئةٍ
نعم... أُعلنُ الآن انتهاءَ كلِّ شيء
انتهاءَ العمرِ الذي بدأ يتوارى بين السحاب
انتهاءَ الحزنِ اليومي الذي كان يقيم لنا موائدَ
ويدعونا إلى مساءاته الماطرة
انتهاءَ الساعات التي ملأناها بالأحاديث الممتعة
والغناءِ الذي تداخلنا مع سحره بأيدٍ متشابكة
واستلقينا على أفراحه منتظرين ابتداء العشق...
ولا بد أن أقولَ لك كلمةً أخيرةً
ولا بد أن أستأذنَك في أن أعيشَ بقيةَ العمرِ وحيداً
دونَ أن أراكِ كما اعتدتُ أن أفعلَ
ودون أن ألتقيَ أحداً غيرك
أيتها الفرح الذي اختنق بالضجيج
لا بد أن أتعلم منكِ الأساليبَ المناسبةَ للفراق
ونحن مشتركان في هذه الجريمةِ الخطيرة
سأهديك قلمي الذي كتبتُ لك به الكثيرَ من القصائد
لأنه أصبحَ عاجزاً عن النزف
عله ينطق ونحن مسافران في رحيلين مختلفين
أيتها المرأة التي تحترف السفرَ بينَ صحاري القلب
ولا تعرف كيفَ ترعى نباتاتِها التي زرعتُها على شرفاتِها
إسمحي لي أن أمسحَ تلكَ الخربشاتِ
التي كتبتُها على جدران روحِك بالطباشير
اسمحي لي أن أتوجه إلى آخر قطارٍ يذهبُ إلى آخر محطة
علك تتركين السكنى بين جدراني
فأنا مللتُ من ذلك الحبِّ الذي يغرز سهامَه في شراييني
إسمحي لي أن أهرب من الحب... وسهامِه ... ومن شراييني
إلى أي مكان لا أجدك فيه... لأنني أريد أن يقتلني البعد
فهو أطهرُ من أن يفعلَ ذلك
بعكس الذي تذكره لنا الكتب
في الفصول المخصصة لمصارع العشاق
كنتُ أريدك امرأةً غيرَ عاديةِ
في كل أنحاءِ جسدي الذي يتعطشُ لجمالك..
لكنك لا زلتِ تصرين على جعلي ضحيةً وحيدة لهذا الحب
فهل لك ان تغفري لي اقتحامي لعالمِك قبل تسع سنوات
فيبدو أن الزمنَ استطاعَ أن يمحوَ معالمَك
وأن يحولَك إلى امرأةٍ هدفُها واحدٌ
هو أن تغتالَني يوميا بكل الطرق والأساليب
لكنها تصرُّ على أن تستحضرَ حزني كل ليلة
مثلما تُستحضر الأرواح الشريرة
أفضل أن تتكرر الأيام في حياتي برتابة مملة
على أن يمنحَني قلبُكِ أيَّ لحظةِ حبٍّ
لكنها تنفجر في وجهي... عندما أفتحُها
أفضِّلُ أن أختليَ بنفسي باحثاً فيها عن شيءٍ ما
على أن أبحثَ في قلبِك عن قطراتِ ماءٍ تسقي هذا الحبَّ المسكينَ
الذي نتج عن التقاءِ روحينا تماماً كما ينتجُ الأطفال عن التقاء الأجساد
فهو لا شكَّ يريحُ قلوبَ المعذبين
أريد أن يطلعَ عليَّ يومٌ لا أسمعُ فيه صوتَك
ولا أستقبلُ فيه القِبلَةَ بين يديك
حتى أعود إلى صفاتي البشريةٍ العادية
التي خلقها الله ملائمة لكل الناس
وها هو يذيقني العذاب بنارك لانني رفضتها
وحاولت أن أقومَ بخلق جسدي على يديك من جديد
أعرف أننا أصبحنا قدراً بعد هذا العمرِ الطويلِ من التوحد...
أعرفُ أن أسماءَنا أصبحتْ واحدةً
وأفراحَنا وأحزانَنا واحدةً
أعرفُ أننا أصبحنا نحملُ ذاتَ فصيلةِ الدم
أعرف أننا أصبحنا نتشابه كالأسماك...
وأعرف أن الإنسلاخ سيكون مميتاً
وسيقتل أحدَنا (أنا على الأغلب...)
إلا أنني لا أستطيع أن أوقفَ كرةَ الثلجِ التي تدحرجتْ
من أعلى قمةِ خلافاتِنا التافهة
وكبرت حتى أصبحتْ جبلاً آخرَ اسمُه الفراق
دعينا نحترم قوانينَ الطبيعة
ونستسلم لحكمِ الإعدامِ بهدوءٍ وسكينة
ونطلبُ من الجلادِ أن يمنَّ علينا بسرعةِ التنفيذ
حتى لا نتعذبَ أكثرَ من ذلك
رسالتي هذه هي الأخيرةُ لك
اكتبها بحبر من دموعي... وريشةٍ من حزني
بل إن رغبتيَ الحمقاءَ بالتملكِ
فأرجو أن تغادرَك أنتِ أيضاً
ونوزعُ البطاقاتِ الأنيقة التي تبادلناها في المناسبات المختلفة
ونسحبُ قصائدَ العشقِ التي خطها قلمي من الأسواق
ونطلبُ من الجرائدِ أن تعيدَ الزمنَ إلى الوراءِ
دون أن تحتويَ على سطرٍ واحدٍ منها
كل الذي عشناه كان جميلاً... لكنه كان مؤلماً
مثلَ الشمس التي تنقشع عنها الغيوم في يوم ماطر
بعد ذلك سأعيشُ بضعةَ سنواتٍ
وسوفَ أكتبُ قليلاً... (هل يستطيع الإنسان اتخاذ قرار كهذا؟)
ربما يسعفني الشعرُ وأكتبُ بعضَ القصائدِ الباهتة
مثلَ تلك التي يكتبها الشعراءُ في أواخر أيامهم
ربما أقضي بعضَ الوقتِ في دهاليز ذكرياتنا
حتى أمنحَ نفسي شجاعة من يُضمرون النية للانتحار
ربما أنتقلُ إلى مرحلةٍ جديدةٍ لا يلونها أحمرُ شفاهِك
ولا يعطرُها عبيرُك الأخاذ
ربما أتمدد على سكةِ حديدِ قطارِ العمر
منتظراً لحظةَ انتهاءِ علاقتي بالحياةْ
تماماً مثلما أنهي برسالتي هذه علاقتي بك
باستثناءِ أن أبحثَ عن حُبٍّ آخر...
ولم يتبقَّ الآن إلا الوداعُ
وداعا يا عاصفةٌ هوجاء عبرت كياني
يا لحنا موسيقيا أصرَّ على تحويلِ حياتي إلى سيمفونيةٍ
فيها الانسيابُ... وفيها ضرباتُ القدر
وداعاً أيتها الشمسُ التي كنتُ أعبدُها في عصور وثنيتي الزاخرة
وداعاً يرشُ رذاذَ الحبِّ ودموع اللوعةِ فوقنا
يعيد لنا أجواء اللقاء الأولى قبل تسع سنوات
