- ملاحظة ...
هذا الموضوع قمت بطرحه في أحد المنتديات ردا على موضوع :
( ماذا نعني بالتراث ؟ )
وأخذت منه زاوية واحدة وهي : الموروث الفكري . . وقمت بحذف بعض الجزئيات والفقرات منه ..
.. ( التراث في كليّته يمثل حاضر ومستقبل أي أمة كانت ) ..
( التراث ) كمصطلح ومفهوم لا بد من أن نتعامل معه بحذر ، بحيث لا نقع في بعض المغالطات التي تهوي بنا في طرق تبعدنا عن الخط ..
لقد جاء تعبير ( الموروث الفكري ) ، والذي يعتبر كثير منه مغيّب ومحذوف .. وإذا ما تم تتبّع توالي الدول الإسلامية ، والرجوع الى صراعات الدولة الأموية والدولة العباسية ، ومن بعدهما الدولة العثمانية ، وما حل بالعالم الإسلامي من محن في ذلك الوقت ، كدخول المغول إلى العالم الإسلامي وحرق الكتب .. سوف يفهم القارئ أن الكثير من الموروث الفكري مغيّب .. وكان للمصالح ، التي تداخلت ، الدور الكبير في التلاعب بالتراث ..
والحديث عن ( الترجمة ) في ذلك الوقت كان له الأثر الأكبر في زيادة الإرث الفكري والفلسفي في العالم الإسلامي ، ونلاحظ في تلك الفترة النجاح الذي لقيه الفكر الإغريقي في منطقة إيران - العراق ، ثم الأندلس ، وهنا سوف يتم ربط التراث الإغريقي بمنطقة الشرق الأوسط في فترة فتوحات الإسكندر ، ثم بفضل الدولة البيزنطية
( الرومية ) الشرقية في الشام والمناطق المحيطة .
ولا بد من التوضيح أن اللغة السريانية هي لغة الحضارة قبل العربية ، وقد خدمت كوسيلة للترجمة من الإغريقية ، ثم جاء المترجمون من الأصل المسيحي يترجمون المؤلفات الإغريقية من السريانية إلى العربية ..
ومن المعروف أن فترة الترجمة الكبرى كانت في زمن الخليفة المأمون ( 813 -833م ) المؤسس ل ( دار الحكمة ) في بغداد ، ومن ثم يمكن تتبّع مسار الفكر الطويل ، ونقل التراث بدءا من أثينا وحتى بغداد والري وقرطبة ، مرورا - من حيث التتبّع الزمني - بالإسكندرية وأنطاكية والرها ، ثم جنديسابور في إيران .
الشيء المهمّش والمبعد من الساحة الثقافية هو ( الفلسفة ) وما تم ترجمته منها من الإغريق ، ونشاطات ابن رشد والكندي فيها ، وتلك المحاورات الساخنة التي حدثت في ذلك الوقت ..
ولكن المدهش ان نجد أنّ ابن رشد قد فشل في البلاد الإسلامية ، بينما نجح في الجهة الغربية ..
في الواقع - وكما أردد دائما - إن الساحة الثقافية في الإسلام قد بلغت أوجها في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي .
ففي ذلك الوقت اتّسعت هذه الساحة إلى أبعد مدى ممكن ، سواء من حيث المعارف والعلوم والممارسات فيها ، أو من حيث المشاكل التي طرحت للنقاش ، أو من حيث الأفكار التي تم تداولها من قبل المثقفين أو المفكرين . وقد حدثت تلك اللقاءات والنقاشات الرائعة بين هؤلاء المفكرين المسلمين الذين كانوا يمثّلون تراثنا الفكري خير تمثيل ، ووجدنا - بهم - تلك الكتابات الرائعة : مثل الجاحظ ، أبو التوحيدي ، الغزالي ، فخر الدين الرازي ،.... الخ ، كلّ على طريقته ، وبحسب الوجهة التي يرتئيها .
هنا أقول إن تراثنا العربي الإسلامي فيه الكثير الكثير الذي لم نستطلعه ، ونحتاج إليه .. فلا بدّ من فهم تلك العقليات وكيفية تفكيرهم .. ولكن المدهش أن الكثير من التراث قد تم تغييبه .. !!
في الفترة الحالية أصبح العالم يتجه إلى ( نقد الحداثة ) وتنقيتها ، ونحن لا زال الكثير لدينا من الإرث الفكري الضخم الذي لم يخضع لهذه العملية بسبب التغييب ، يقول أدونيس عن الحداثة : ( ينبغي التأسيس لمرحلة جديدة : نقد الحداثة ) ، وهو قول يبدو ضروري ، خاصة عندما نفهم الحداثة من جهة غربية ( أوروبية، أميريكية ) ، وهذا الإلتباس هو ما يجمّدنا ، ويجعل ما نسميه ب ( التبعية ) موجود دون أن نحس به ..
لا بدّ من أن نفهم أن البيئات - الإجتماعية ،الثقافية ، السياسية ، الإقتصادية - تختلف اختلافا كبيرا بيننا كشرقيين وبين الغرب ، من هنا خرج البعض وجاء بكل أفكار الحرية والديمقراطية لعملية تحديث المجتمع ، ثقافيا وفكريا ، بطريقة مغالطة ، وقد نسي أن تراثنا الشرقي وثقافتنا وبنية مجتمعنا تختلف عما أحدثته تلك الصراعات التي خاضها المجتمع الأوروبي ، وخاصة ( الثورة الفرنسية ) ..
لذلك لا بدّ من الإنتباه لمثل تلك المحاولات الفاشلة التي لا يمكن لها ، بأي حال من الأحوال ، الإنطلاق من أوروبا ومواليدها من المصطلحات ، ونقوم بغرسها - غصبا - في أرض لا تتحمل تلك المصطلحات بكل علاتها .. ولكنهذا ما يجب علينا نحن ، حتى نقوم بتجديد أنفسنا وثقافتنا ومجتمعاتنا ..
أقول لا بدّ من تنقيح التراث وقراءته قراءة متأنية حتى نفعل ما فعله (الأوائل) .. كما يذكر البعض أن المناهج الحديثة في الدراسة الشاملة مهمة جدا ، ولا بدّ من أن نتّجه هذا الإتجاه ، بحيث نوجّه أنفسنا باستخدام المنهجية الشمولية في قراءة التراث ، وهذه المنهجية تتوّجها علوم إنسانية واجتماعية مهمة ( من ألسنيات ، وأنثربولوجيا ، وميثولوجيا ، وابستمولوجيا "نظام الفكر" ، والتاريخ ، والجغرافيا ) ..
وبهذا سوف نستطيع أن نحلل تراثنا ونحافظ فيه على أهم القيم ..
المأخذ المستجدّ يقع على من يعرف التراث بمفهومه المعاصر ويقوم بربطه بالعرب والمسلمين ..
لماذا ؟
لأنّ التراث موجود في أي حضارة في العالم ، وعملية الربط ، هذه ، جعلت التراث مرتبطا بالعرب والمسلمين فقط ..
