رائـــحة لا تشــــــبه أحـــــدا ..... (( قصة بشرى خلفان ))
رائحة لا تشبه أحداً
تبحث في الدار عن بقايا البارحة ،رائحته.. جمر لم ينطفئ،وربما قليل من مرق (القلية) ثلاثة أفواه تبحث عن شئ غير الحب تقتاته ورابع يعد العدة للخروج متسللا دون ضجيج ،تنوء بحملها ،تتكسر على الفراش تبعث في طلب الجارة يخرج رابعهم دون بكاء ،ولادة سهلة بلا ألم أو لهفة . بنت بعد ثلاثة أولاد ، الحمد لله . تتمتم التي حملت بطنها تسعة أشهر وأغمضت عينيها واستسلمت لملائكتها في الحلم رأته يوزع رائحته على النساء يهب لكل واحدة حفنة وعندما مدت يديها أخذ وجهه والرائحة ،أحست مكان الثقل بخفة وحل محل القلب خواء.
أسمتها مريم كاسم أمها وعندما تغامزت النسوة على لون عينيها التي تشبه خضرة الشجر حملتها على شاكلتها وأغلقت باب الدار ولم تشرب القهوة معهن مرة أحرى .
تعلمت مريم المشي بسرعة تمسك بأصابع أخوتها وتنهض عجيزتها الصغيرة عن تراب الحوش وتخطو باتجاههم خطوة صغيرة خطوة صغيرة تخطو ثانية وتتعثر يضحكون كثيرا وتدمع عيناها الطافيتان بخضرة (الحمد).
كانوا ثلاثة ومريم (ترقط) (الخلال) من الضاحية وهي منكفئة على ماء الورد تخمره حين دخل وأسقط من يديه خرقة السفر ورقد إلى جانبها أنبأتهم رائحة الورد وعصفور نقر (الخلال) بمنقاره ثم لفظه بعودته ركضوا ومريم المتعثرة بخطوتها الصغيرة.
في الدار ضمهم إلى صدره وشم رائحتهم وعند الباب وقفت مريم ترقب امتداد الشوق إليها وقفت طويلا حتى أبصر ظلها على الحصير فتح ذراعيه وضمها شمها طويلا رفعت إليه عينين بخضرة (الخلال) وعندما اختلى بالمرأة قال : لم تفرغي رائحتي في رحمك.
_ بلى.
_ والعينين لمن ؟
_ العرق يمد لسابع جد.
_ لا شئ غير السمرة فينا ؟
_ لم أحمل إلا رائحتك.
_ والعينين لمن ؟
خرج من الدار ،طرق بيوت الخالة والأعمام سأل النسوة من أين أتت بالخضرة التي زرعتها في عيني البنت ؟ شهد الجميع بامتداد الظلمة من جد إلى جد نقية دماء القبيلة لم يخالطها لون .
يقول الجد : وهي بنت عمك لكن ربما.. ربما .. ربما ماذا؟ دار بماذا من بيت إلى بيت حتى شق كعب التيه. العرق يمتد لسابع جد .
وسابع جد لا تعرفه الروايات ولا يعلق بالذاكرة والمرأة النقية كماء (الغيل) والطاهرة كرطبات (الخنيزي) لم تحمل إلا رائحته.
في الخيمة رقدت ، أضجعت خوفها وصمت عيونهم ومريم التي سقت أمها رشفة الماء قبل أن تغمض عينيها لم تدرك أن الظلمة حلت وأن أباها لم يعد بعد وأخوتها المحدقين في سؤال إلى وجه الأم لم يقذفوها بحبات (الخلال).
في الحلم رأته يوزع رائحته على النساء وحين مدت يديها أخذ رائحته ومضى .
عندما سرقهم النوم من وجع الانتظار عاد، لم يدخل الخيمة ولم يتحسس أجسادهم المتناثرة فوق (السجم) ولم يبحث عن رائحة مريم التي لا تشبه رائحة أحد ، اقتعد النخلة وحملق في القمر الذي أعار فضته إلى ماء البئر وفكر في الجد السابع الذي لا يتذكره أحد والعرق الذي يوغل في السفر وخضرة عيني مريم .
في الحلم رأته يزرع بطن الوادي (بالقت) وبطنها بالخضرة في الحلم رأته يخلع رائحته على الحصى ويعطي كل امرأة حفنة وعندما مدت إليه يديها أشاح وجهه .
تمت
بشرى خلفان
