يا عشره الماضى الجميل

حانت اللحظه المرتقبه من اربعين سنه . لقد انتقلت من بيتى بعد وفاه زاهيه الى بيت ولدى صابر بعد ان ادلى باقتراحه لى فلم يجد رأسى الا ان يشير بالايجاب . ونظرت الى حجرتى الجديده بغير اكتراث وقلت لنفسى انها مأوايا الجديد . وانقضت على الذكريات كوابل من رصاص . لقد عشت اربعون عاما لا تخل من زاهيه فمتى اعتاد الحياه بدونها . كان البيت بفضلها ينعم بالنظام والنظافه وعبير البخور الزكى . وما قيمه رمضان والاعياد بدونها . وتذكرت كم خلت جنازتها من اجيال واجيال من تلاميذى فهل لم يعد يذكرنى احد . ولم يكن كذلك حال الاصدقاء الذين ذهبو واحدا وراء واحد . ذهبت دون ان ادرى الى مجلسى المختار طيله الدهر الطويل . انها قهوه متاتيا واتخذت مجلسى المعتاد فيها وقلت لنفسى فيما يشبه المداعبه ما بال القهوه خاليه . ولم تكن القهوه خاليه ولا كان بها من الترابيزات الخاليه الا عدد محدود . ولكن كانت خاليه من الاصحاب والمعارف . ومن عادتى ان ارنو الى الكراسى التى حملت قديما الاعزاء الراحلين فأتخيل وجوههم وحركاتهم والمناقشات حول اخبار المقطم ومباريات النرد الحاميه والسياسه . وتذكرت زمنا قريبا كان قد خلى منه جميع اصحابى الا واحدا هو على مهران وهذا الكرسى الذى امامى مجلسه المفضل كان يجلس عليه قصيرا مكوما فوق عصاه ويرمقنى بنظره هشه شبه مدمعه من نظاره كحليه ويتساءل من منا ياترى سيسبق صاحبه ثم يغرق بعدها فى الضحك ويداه تستوطنها رعشه الكبر رغم انه يصغرنى بعامين ولما مات حزنت عليه كثيرا ومن بعده خلت الدنيا وخلت القهوه . كم تقتحم على الذكريات بنفحاتها العطره ووحشتها المحزنه . كم تذكرت سهره الازبكيه التى تقتحم افكارى كل يوم فاستسلم لها واعيدها بدقائقها وثوانيها كى اعيش لحظتها من جديد . كنت قد سهرت ليلتها مع نفر من اصحابى حيث يجلجل فى مسامعى الطرب ويلقى الى جوارى الشيخ زناتى قصيده [يا عشره الماضى الجميل ] ليلتها دعا لى الزناتى بمائه عام من العمر فى قصيدته ويبدو ان دعوته كانت مستجابه . ولكن القهوه خاليه . والشيخ زناتى رحل وانا ما زلت فى الخدمه . اه انه النادل يقترب منى الان ماذا يريد . تراجع امامى كالمعتذر ثم ذكرنى بفنجان القهوه المنسى الذى لم تمسه يداى .
قطع على حبل افكارى هذا النادل ولكن هيهات . اطلقت لعقلى العنان مره اخرى فعاودتنى ذكرى جميله ترتعش لها جسمى . انها حفله القيت فيها كلمه طيبه دوى بعدها التصفيق والهتاف . جلست الى جوار صاحبى بعدها وما زال التصفيق والهتاف . مال نحوى الصديق وسكب فى اذنى ثناء جميلا ولكن من ذالك الصديق . ساتذكره حتما وقد قال لى كلاما جميلا سأتذكره ايضا ام اننى حملت عقلى اكثر مما يطيق ففلتت منه معالم ذكرياتى الرئيسيه التى ترطب لى وحدتى وتشعرنى بالأمان .